الفيزياء الفلكية المبسّطة
هل تودّ التعرّف على أساسيات الفيزياء الفلكية بشكل سهل وبسيط يُناسب الهواة؟ هل تبحث عن مرجع يُعلمك أساسياتها بأسلوب بسيط وفهموم؟


البُعد: 
           ي

Picture
هناك عدة طرق لقياس بُعد النجوم عنا حسب أنواعها وخصائصها، لكن أبسط هذه الطرق وأكثرها شيوعاً هي ما يُسمى بـ"التزيح النجمي"، تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على ظاهرة فيزيائية بسيطة نشاهدها خلال حياتنا اليومية. فعندما تركب بالسيارة وتنظر من النافذة وتكون هناك أشجار على طرف الشارع خلفها أبنية، فستشاهد جميع الأشجار تتحرك بسرعة وتختفي من مجال نظرك، بينما تبقى الأبنية ضمن مجال رؤيتك لمدة من الزمن، وإذا كان هناك برج بعيد فقد تستطيع رؤيته لعدة دقائق أثناء حركة السيارة دون أن يَختفي. هذا هو ما نسميه بـ"التزيح"، يَنطبق هذا المبدأ نفسه على النجوم، فعندما تتحرك الأرض حول الشمس نرى أن النجوم القريبة منا تتحرك مسافة ضئيلة عبر السماء بينما تتحرك النجوم البعيدة مسافة أقل، واعتماداً على المسافة التي يَتحركها النجم عبر السماء أثناء قطع الأرض لنصف مدار حول الشمس يُمكننا معرفة بُعد هذا النجم عنا. لكن المسافات التي تتحركها النجوم ضئيلة جداً، ولذا فأنت لن تلاحظ شيئاً مختلفاً في مواقع النجوم عندما تنظر إليها، لكن باستخدام أدوات القياس الفلكية الدقيقة يُمكننا ملاحظة هذه الحركة الضئيلة، ومع ذلك فهناك حد معيّن لا نستطيع بعده قياس تزيح النجوم بسبب تأثير الغلاف الجوي.               ي

قاعدة التزيح بسيطة، وهي أن كل نجم يَتحرك ثانية قوسية واحدة (جزء من 360 من الدقيقة القوسية التي هي جزء من 360 من الدرجة) أثناء قطع الأرض لنصف مدار حول الشمس يَبعد عنا فرسخاً فلكياً واحداً (3.3 سنة ضوئية)، أي أن نجماً يَبعد عن الأرض فرسخين فلكيين سيَتحرك نصف ثانية قوسية، وهلم جراً. لكن لا يُمكن من الأرض بهذه الطريقة قياس بُعد أي نجم بعده عنا يَتجاوز الـ100 فرسخ فلكي بسبب تأثيرات الغلاف الجوي (أي أن تزيحه أقل من 0.01 ث.ق)، ولذا فهذه الطريقة ليست مجدية دائماً. هناك بعض الطرق الأخرى الأقل شيوعاً، منها الاعتماد على قياس ضياء النجم (ضوؤه الحقيقي بغض النظر عما يَصل منه إلى الأرض) ومقارنته بلمعانه (مقدار الضوء الذي يَصل إلى الأرض)، ويَستطيع الفلكيون معرفة الضياء بسهولة بتحليل الدرجة الطيفية للنجم بحيث يَحصلون على مقدار ضيائه (سنتحدث أكثر عن هذا الأمر لاحقاً)، كما يُمكن القيام بهذا بطريقة أخرى مع بعض النجوم المتغيرة التي يُوجد ارتباط بين ضيائها ومدة تغير ضوئها الدورية.      ي

بما أننا نتحدث عن البُعد والمسافات، فهذه فرصة جيدة لإعطاء تعريف سريع بوحدة "السنة الضوئية" والتي ستمر عليك كثيراً لاحقاً، السنة الضوئية هي وحدة لقياس المسافة لا الزمن، وهي تعادل المسافة التي يَقطعها الضوء خلال سنة واحدة، أي ما يَبلغ أقل بقليل من 10 ترليونات كيلومتر.       ي

الحرارة:          ي

Picture

يُمكن قياس الحرارة السطحية لنجم ما بسهولة عن طريق دراسة طيفه (بالرغم من أنه لا يُمكن معرفة حرارة باطنه بدقة)، فلون النجم هو الذي يَحكم على درجة حرارته، كلما كان النجم أسخن كلما كان الضوء الذي يُشعه ذو أطوال موجية أقصر، فأسخن النجوم تظهر باللون الأزرق وأبردها باللون الأحمر (طرفا الطيف المرئي، وتناسب ألوان وحرارة النجوم هذا مُبين في الرسم إلى اليسار). الحرارة السطحية هي من الخصائص المُهمة للنجوم، لأنها يُمكنها الكشف عن العديد من الخصائص الفيزيائية للنجم مثل ضيائه وحجمه، ولذا فتحديدها أساسي جداً للتعرّف على النجوم. قام الفلكيون من أجل تسهيل عملية قياس هذه الخصائص التي تعتمد على درجة الحرارة السطحية - ولتسهيل قياس الحرارة نفسها - بإعداد تصنيف طيفي للنجوم يُسمى بـ"التصنيف النجمي"، هذا التصنيف يُقسم النجوم إلى درجات حسب أطيافها/ألوانها ويُبين مقدار حرارة وضياء ومتوسط كتلة وحجم - ونسب العناصر حتى - للنجوم التي تنتمي إلى كل درجة. 
                       ي

اللمعان والضياء:          ي

Picture

الضياء هو مصطلح يُطلق على مقدار الضوء الحقيقي الذي يُشعه جرم ما.. بغض النظر عما يَصل من هذا الضوء إلى الأرض. فمثلاً.. ضياء نجم "النسر الواقع" أعلى من ضياء الشمس بعشرات الأضعاف، لكن بالرغم من هذا فإننا نرى الشمس في سمائنا أسطع بعشرات آلاف الأضعاف من النسر الواقع بسبب أنه أبعد بكثير عنا منها. يُوجد مصطلح آخر شبيه بالضياء يَجب عدم خلطه معه أبداً.. وهو "اللمعان"، يُشير اللمعان إلى مقدار الضوء الظاهري (أو بالأحرى ما يَصل من الضوء إلى الأرض) للنجوم، ومن ثم فيُمكننا القول أن الشمس ألمع النسر الواقع بالرغم من أن ضياءه أعلى بكثير من ضيائها. يُمكن معرف ضياء نجم ما عن طريق تحليل طيفه كما أسلفنا، فكلما كان لونه أقرب إلى الأحمر كلما كان ضياؤه أقل.. وكلما كان أقرب إلى الأزرق كلما كان ضياؤه أعلى، ويَتناسب مقدار الضياء طردياً مع الحرارة، ولذا فقياس الحرارة - الذي بيناه سابقاً - يُمكننا من معرفة ضياء النجم.

يَجب أن نذكر هنا وحدات قياس اللمعان والضياء، لأنها جوهرية جداً في علم الفلك الرصدي وستمر عليك كثيراً في المراجع الفلكية، الضياء أقل أهمية بالنسبة لهواة الفلك.. وهو عادة ما يُقاس بالضياء الشمسي (مقدار ضياء الشمس) أو القدر المطلق (يَفترض مقدار لمعان الجرم إن كنا على بُعد فرسخ فلكي واحد منه)، أما اللمعان فيُقاس بالقدر الظاهري. مع الوقت.. ستتعود على وحدة القدر الظاهري وستستطيع تخمين مدى وضوح النجم من قدره حتى لو لم ترصده، أو ربما تستطيع حتى تقدير الأقدار بنفسك عندما ترى النجوم دون الاضطرار للعودة إلى مراجع، لكن لكي تأخذ فكرة عامة.. فدعنا نرى بعض الأمثلة الشائعة، لكن أولاً عليك الانتباه إلى أنه كلما زاد رقم القدر كلما كان الجرم أخفت، فالقدر 1 ألمع من 5، وإضافة إلى هذا فيُقاس القدر بكلا أرقام السالب والموجب، والسالب ألمع طبعاً. أقل قدر تراه العين المجردة هو +6، قدر القمر البدر هو -12 والشمس -26، قدر الزهرة (ثالث ألمع أجرام السماء) هو -4، وقدر الشعرى اليمانية (ألمع نجوم السماء) هو -1.5، وقدر أندروميدا (ألمع مجرة في السماء) هو +4. 
      ي